فصل: تفسير الآية رقم (14)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***


تفسير الآية رقم ‏[‏161‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ‏(‏161‏)‏‏}‏

ونزل لما فُقِدَت قطيفة حمراء يوم بدر فقال بعض الناس‏:‏ لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ‏}‏ ما ينبغي ‏{‏لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏ يخون في الغنيمة فلا تظنوا به ذلك، وفي قراءة بالبناء للمفعول، أي ينسب إلى الغلول ‏{‏وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة‏}‏ حاملاً له على عنقه ‏{‏ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ‏}‏ الغال وغيره جزاء ‏{‏مَّا كَسَبَتْ‏}‏ عملت ‏{‏وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ‏}‏ شيئاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏162‏]‏

‏{‏أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏162‏)‏‏}‏

‏{‏أَفَمَنِ اتبع رضوان الله‏}‏ فأطاع ولم يَغُل ‏{‏كَمَن بَآء‏}‏ رجع ‏{‏بِسَخْطٍ مِّنَ الله‏}‏ لمعصيته وغلوله ‏{‏وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير‏}‏ المرجع هي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏163‏]‏

‏{‏هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ‏(‏163‏)‏‏}‏

‏{‏هُمْ درجات‏}‏ أي أصحاب درجات ‏{‏عِندَ الله‏}‏ أي مختلفو المنازل فلمن اتبع رضوانه الثواب ولمن باء بسخطه العقاب ‏{‏والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ‏}‏ فيجازيهم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏164‏]‏

‏{‏لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏164‏)‏‏}‏

‏{‏لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ‏}‏ أي عربياً مثلهم ليفهموا عنه ويَشْرُفُوا به لا ملكاً ولا أعجميّاً ‏{‏يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياته‏}‏ القرآن ‏{‏وَيُزَكِّيهِمْ‏}‏ يطهرهم من الذنوب ‏{‏وَيُعَلِّمُهُمُ الكتاب‏}‏ القرآن ‏{‏والحكمة‏}‏ السنة ‏{‏وإِن‏}‏ مخففة أي إنهم ‏{‏كَانُواْ مِن قَبْلُ‏}‏ أي قبل بعثه ‏{‏لَفِى ضلال مُّبِينٍ‏}‏ بيِّن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏165‏]‏

‏{‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏165‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَ لَمَّآ أصابتكم مُّصِيبَةٌ‏}‏ بأُحُد بقتل سبعين منكم ‏{‏قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا‏}‏ ببدر بقتل سبعين وأسر سبعين منهم ‏{‏قُلْتُمْ‏}‏ متعجبين ‏{‏أَنَّى‏}‏ من أين لنا ‏{‏هذا‏}‏ الخذلان ونحن مسلمون ورسول الله فينا‏؟‏ والجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري ‏{‏قُل‏}‏ لهم ‏{‏هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏ لأنكم تركتم المركز فخُذلتم ‏{‏إِنَّ الله على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏ ومنه النصر ومنعه، وقد جازاكم بخلافكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏166‏]‏

‏{‏وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏166‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَآ أصابكم يَوْمَ التقى الجمعان‏}‏ بأحد ‏{‏فَبِإِذْنِ الله‏}‏ بإرادته ‏{‏وَلِيَعْلَمَ‏}‏ الله علم ظهور ‏{‏المؤمنين‏}‏ حقاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏167‏]‏

‏{‏وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ‏(‏167‏)‏‏}‏

‏{‏وَلِيَعْلَمَ الذين نَافَقُواْ‏}‏ الذين ‏{‏قِيلَ لَهُمْ‏}‏ لما انصرفوا عن القتال وهم عبد الله بن أُبيّ وأصحابه ‏{‏تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ الله‏}‏ أعداءه ‏{‏أَوِ ادفعوا‏}‏ عنا القوم بتكثير سوادكم إن لم تقاتلوا ‏{‏قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ‏}‏ نحسن ‏{‏قِتَالاً لاتبعناكم‏}‏ قال تعالى تكذيباً لهم‏:‏ ‏{‏هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ للإيمان‏}‏ بما أظهروا من خذلانهم للمؤمنين وكانوا قبل أقرب إلى الإيمان من حيث الظاهر ‏{‏يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ‏}‏ ولو علموا قتالاً لم يتبعوكم ‏{‏والله أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ‏}‏ من النفاق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏168‏]‏

‏{‏الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏168‏)‏‏}‏

‏{‏الذين‏}‏ بدل من ‏(‏الذين‏)‏ قبله أو نعت ‏{‏قَالُواْ لإخوانهم‏}‏ في الدين ‏{‏وَ‏}‏ قد ‏{‏قَعَدُوا‏}‏ عن الجهاد ‏{‏وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا‏}‏ أي شهداء أحد أو إخواننا في القعود ‏{‏مَا قُتِلُوا قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏فَادْرءُواْ‏}‏ ادفعوا ‏{‏عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صادقين‏}‏ في أن القعود ينجي منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏169‏]‏

‏{‏وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ‏(‏169‏)‏‏}‏

ونزل في الشهداء ‏{‏وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ‏}‏ بالتخفيف والتشديد ‏{‏فِى سَبِيلِ الله‏}‏ أي لأجل دينه ‏{‏أمواتا بَلْ‏}‏ هم ‏{‏أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ‏}‏ ‏(‏أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت‏)‏ كما ورد في الحديث ‏{‏يُرْزَقُونَ‏}‏ يأكلون من ثمار الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏170‏]‏

‏{‏فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏(‏170‏)‏‏}‏

‏{‏فَرِحِينَ‏}‏ حال من ضمير ‏(‏يُرزقون‏)‏ ‏{‏بِمَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ و‏}‏ هم ‏{‏يَسْتَبْشِرُونَ‏}‏ يفرحون ‏{‏بالذين لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ‏}‏ من إخوانهم المؤمنين ويبدل من ‏(‏الذين‏)‏ ‏{‏أَ‏}‏ نْ أي بأن ‏{‏لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ‏}‏ أي الذين لم يلحقوا بهم ‏{‏وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ في الآخرة المعنى يفرحون بأمنهم وفرحهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏171‏]‏

‏{‏يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏171‏)‏‏}‏

‏{‏يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ‏}‏ ثواب ‏{‏مِّنَ الله وَفَضْلٍ‏}‏ زيادة عليه ‏{‏وَأَنَّ‏}‏ بالفتح عطفاً على ‏(‏نعمة‏)‏ والكسر استئنافاً ‏{‏الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المؤمنين‏}‏ بل يأجرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏172‏]‏

‏{‏الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ‏(‏172‏)‏‏}‏

‏{‏الذين‏}‏ مبتدأ ‏{‏استجابوا لِلَّهِ والرسول‏}‏ دعاءه بالخروج للقتال لما أراد أبو سفيان وأصحابه العَوْدَ وتواعدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه سوق بدر العام المقبل من يوم أُحُد ‏{‏مِن بَعْدِ مَا أصابهم القرح‏}‏ بأُحد وخبر المبتدأ ‏{‏لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ‏}‏ بطاعته ‏{‏واتقوا‏}‏ مخالفته ‏{‏أَجْرٌ عَظِيمٌ‏}‏ هو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏173‏]‏

‏{‏الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ‏(‏173‏)‏‏}‏

‏{‏الذين‏}‏ بدل من ‏(‏الذين‏)‏ قبله أو نعت ‏{‏قَالَ لَهُمُ الناس‏}‏ أي نعيم بن مسعود الأشجعي ‏{‏إِنَّ الناس‏}‏ أبا سفيان وأصحابه ‏{‏قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ‏}‏ الجموع ليستأصلوكم ‏{‏فاخشوهم‏}‏ ولا تأتوهم ‏{‏فَزَادَهُمُ‏}‏ ذلك القول ‏{‏إيمانا‏}‏ تصديقاً بالله ويقيناً ‏{‏وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله‏}‏ كافينا أمرهم ‏{‏وَنِعْمَ الوكيل‏}‏ المفوَّض إليه الأمر هو، وخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فوافوا سوق بدر وألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان وأصحابه فلم يأتوا وكان معهم تجارات فباعوا وربحوا‏.‏ قال الله تعالى‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏174‏]‏

‏{‏فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ‏(‏174‏)‏‏}‏

‏{‏فانقلبوا‏}‏ رجعوا من بدر ‏{‏بِنِعْمَةٍ مّنَ الله وَفَضْلٍ‏}‏ بسلامة وربح ‏{‏لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ‏}‏ من قتل أو جرح ‏{‏واتبعوا رضوان الله‏}‏ بطاعته ورسوله في الخروج ‏{‏والله ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ‏}‏ على أهل طاعته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏175‏]‏

‏{‏إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏175‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّمَا ذلكم‏}‏ أي القائل لكم إن الناس الخ ‏{‏الشيطان يُخَوّفُ‏}‏ كم ‏{‏أَوْلِيَاءهُ‏}‏ الكفار ‏{‏فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ‏}‏ في ترك أمري ‏{‏إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ حقًّا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏176‏]‏

‏{‏وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‏(‏176‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ يَحْزُنكَ‏}‏ بضم الياء وكسر الزاي وبفتحها وضم الزاي من ‏(‏حزنه‏)‏ لغه في ‏(‏أحزنه‏)‏ ‏{‏الذين يسارعون فِى الكفر‏}‏ يقعون فيه سريعاً بنصرته وهم أهل مكة أو المنافقون أي لا تهتم لكفرهم ‏{‏إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً‏}‏ بفعلهم وإنما يضرون أنفسهم ‏{‏يُرِيدُ الله أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً‏}‏ نصيباً ‏{‏فِى الأخرة‏}‏ أي الجنة فلذلك خذلهم الله ‏{‏وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ‏}‏ في النار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏177‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏177‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين اشتروا الكفر بالإيمان‏}‏ أي أخذوه بدله ‏{‏لَن يَضُرُّواْ الله‏}‏ بكفرهم ‏{‏شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ مؤلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏178‏]‏

‏{‏وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ‏(‏178‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ يَحْسَبَنَّ‏}‏ بالياء والتاء ‏{‏الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى‏}‏ أي إملاءنا ‏{‏لَهُمْ‏}‏ بتطويل الأعمار وتأخيرهم ‏{‏خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ‏}‏ و‏(‏أنَّ‏)‏ ومعمولاها سدّت مسدّ المفعولين في قراءة التحتانية ومسدّ الثاني في الأخرى ‏{‏أَنَّمَا نُمْلِى‏}‏ نمهل ‏{‏لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً‏}‏ بكثرة المعاصي ‏{‏وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ‏}‏ ذو إهانة في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏179‏]‏

‏{‏مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ‏(‏179‏)‏‏}‏

‏{‏مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ‏}‏ ليترك ‏{‏المؤمنين على مَا أَنتُمْ‏}‏ أيها الناس ‏{‏عَلَيْهِ‏}‏ من اختلاط المخلص بغيره ‏{‏حتى يَمِيزَ‏}‏ بالتخفيف والتشديد يفصل ‏{‏الخبيث‏}‏ المنافق ‏{‏مِنَ الطيب‏}‏ المؤمن بالتكاليف الشاقة المبينة لذلك ففعل ذلك يوم أحد ‏{‏وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب‏}‏ فتعرفوا المنافق من غيره قبل التمييز ‏{‏وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِى‏}‏ يختار ‏{‏مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ‏}‏ فيطلعه على غيبه كما أطلع النبي صلى الله عليه وسلم على حال المنافقين ‏{‏فَئَاَمِنُواْ بالله وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُواْ‏}‏ النفاق ‏{‏فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏180‏]‏

‏{‏وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏180‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ يَحْسَبَنَّ‏}‏ بالياء والتاء ‏{‏الذين يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ‏}‏ أي بزكاته ‏{‏هُوَ‏}‏ أي بخلهم ‏{‏خَيْراً لَّهُمْ‏}‏ مفعول ثان والضمير للفصل والأوّل ‏(‏بخلهم‏)‏ مقدّراً قبل الموصول على الفوقانية وقبل الضمير على التحتانية ‏{‏بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ‏}‏ أي بزكاته من المال ‏{‏يَوْمُ القيامة‏}‏ بأن يُجْعَل حية في عنقه تنهشه كما ورد في الحديث ‏{‏وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السموات والأرض‏}‏ يرثهما بعد فناء أهلهما ‏{‏والله بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ التاءوبالياء ‏{‏خَبِيرٌ‏}‏ فيجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏181‏]‏

‏{‏لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ‏(‏181‏)‏‏}‏

‏{‏لَّقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ‏}‏ وهم اليهود قالوه لما نزل ‏{‏مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا‏}‏ ‏[‏11‏:‏ 57 245‏:‏ 2‏]‏ وقالوا لو كان غنيا ما استقرضنا ‏{‏سَنَكْتُبُ‏}‏ نأمر بكتب ‏{‏مَا قَالُواْ‏}‏ في صحائف أعمالهم ليجازوا عليه، وفي قراءة بالياء مبنيا للمفعول ‏{‏وَ‏}‏ نكتب ‏{‏قاتلهم‏}‏ بالنصب والرفع ‏{‏الأنبياء بِغَيْرِ حَقٍ وَنَقُولُ‏}‏ بالنون والياء، أي الله لهم في الآخرة على لسان الملائكة ‏{‏ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق‏}‏ النار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏182‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ‏(‏182‏)‏‏}‏

ويقال لهم‏:‏ ‏{‏إذا ألقوا فيها‏}‏ ‏[‏7‏:‏ 67‏]‏ ‏{‏ذلك‏}‏ العذاب ‏{‏بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ‏}‏ عبر بها عن الإنسان لأنّ أكثر الأفعال تُزَاول بها ‏{‏وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ‏}‏ أي بذي ظلم ‏{‏لّلْعَبِيدِ‏}‏ فيعذبهم بغير ذنب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏183‏]‏

‏{‏الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏183‏)‏‏}‏

‏{‏الذين‏}‏ نعت ‏(‏للذين‏)‏ قبله ‏{‏قَالُواْ‏}‏ لمحمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏إِنَّ الله‏}‏ قد ‏{‏عَهِدَ إِلَيْنَا‏}‏ في التوراة ‏{‏أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ‏}‏ نصدّقه ‏{‏حتى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النار‏}‏ فلا نؤمن لك حتى تأتينا به وهو ما يتقرّب به إلى الله من نعم وغيرها فإن قُبِلَ جاءت نار بيضاء من السماء فأحرقته وإلا بقي مكانه وَعَهِدَ إلى بني إسرائيل ذلك إلا في المسيح ومحمد قال تعالى ‏{‏قُلْ‏}‏ لهم توبيخاً ‏{‏قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بالبينات‏}‏ بالمعجزات ‏{‏وبالذى قُلْتُمْ‏}‏ كزكريا ويحيى فقتلتموهم والخطاب لمن في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان الفعل لأجدادهم لرضاهم به ‏{‏فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صادقين‏}‏ في أنكم تؤمنون عند الإتيان به‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏184‏]‏

‏{‏فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ‏(‏184‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ جَآءُو بالبينات‏}‏ المعجزات ‏{‏والزبر‏}‏ كصحف إبراهيم ‏{‏والكتاب‏}‏ وفي قراءة بإثبات الباء فيهما ‏[‏وبالزبر وبالكتاب‏]‏ ‏{‏المنير‏}‏ الواضح هو التوراة والإنجيل فاصبر كما صبروا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏185‏]‏

‏{‏كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ‏(‏185‏)‏‏}‏

‏{‏كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ‏}‏ جزاء أعمالكم ‏{‏يَوْمَ القيامة فَمَن زُحْزِحَ‏}‏ بُعِّدَ ‏{‏عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ‏}‏ نال غاية مطلوبه ‏{‏وَمَا الحياة الدنيا‏}‏ أي العيش فيها ‏{‏إِلاَّ متاع الغرور‏}‏ الباطل يُتمتَّع به قليلاً ثم يفنى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏186‏]‏

‏{‏لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ‏(‏186‏)‏‏}‏

‏{‏لَتُبْلَوُنَّ‏}‏ حذف منه نون الرفع لتوالي النونان، والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين، لتُخْتَبَرُنَّ ‏{‏فِى أموالكم‏}‏ بالفرائض فيها والحوائج ‏{‏وأَنفُسِكُمْ‏}‏ بالعبادات والبلاء ‏{‏وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ‏}‏ اليهود والنصارى ‏{‏وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ‏}‏ من العرب ‏{‏أَذًى كَثِيراً‏}‏ من السَّب والطعن والتشبيب بنسائكم ‏{‏وَإن تَصْبِرُواْ‏}‏ على ذلك ‏{‏وَتَتَّقُواْ‏}‏ الله ‏{‏فَإِنَّ ذلك مِنْ عَزْمِ الأمور‏}‏ أي‏:‏ من معزوماتها التي يُعزم عليها لوجوبها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏187‏]‏

‏{‏وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ‏(‏187‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏إِذْ أَخَذَ الله ميثاق الذين أُوتُواْ الكتاب‏}‏ أي العهد عليهم في التوراة ‏{‏لَتُبَيّنُنَّهُ‏}‏ أي الكتاب ‏{‏لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ‏}‏ أي الكتاب بالياء والتاء في الفعلين ‏{‏فَنَبَذُوهُ‏}‏ طرحوا الميثاق ‏{‏وَرآء ظُهُورِهِمْ‏}‏ فلم يعملوا به ‏{‏واشتروا بِهِ‏}‏ أخذوا بدله ‏{‏ثَمَناً قَلِيلاً‏}‏ من الدنيا من سفلتهم برياستهم في العلم فكتموه خوف فوته عليهم ‏{‏فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ‏}‏ شراؤهم هذا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏188‏]‏

‏{‏لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏188‏)‏‏}‏

‏{‏لاَ تَحْسَبَنَّ‏}‏ بالتاء والياء ‏{‏الذين يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ‏}‏ فعلوا من إضلال الناس ‏{‏وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ‏}‏ من التمسك بالحق وهم على ضلال ‏{‏فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ‏}‏ بالوجهين تأكيد ‏{‏بِمَفَازَةٍ‏}‏ بمكان ينجون فيه ‏{‏مِّنَ العذاب‏}‏ في الآخرة بل هم في مكان يعذبون فيه وهو جهنم ‏{‏وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ مؤلم فيها، ومفعولاً «تحسب» الأولى دل عليهما مفعولاً الثانية على قراءة التحتانية، وعلى الفوقانية حذف الثاني فقط‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏189‏]‏

‏{‏وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏189‏)‏‏}‏

‏{‏وَلِلَّهِ مُلْكُ السموات والأرض‏}‏ خزائن المطر والرزق والنبات وغيرها ‏{‏والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ومنه تعذيب الكافرين وإنجاء المؤمنين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏190‏]‏

‏{‏إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ‏(‏190‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والأرض‏}‏ وما فيهما من العجائب ‏{‏واختلاف اليل والنهار‏}‏ بالمجيء والذهاب والزيادة والنقصان ‏{‏لآيَاتٍ‏}‏ دلالات على قدرته تعالى ‏{‏لأُوْلِى الألباب‏}‏ لذوي العقول‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏191‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ‏(‏191‏)‏‏}‏

‏{‏الذين‏}‏ نعت لما قبله أو بدل ‏{‏يَذْكُرُونَ الله قياما وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ‏}‏ مضطجعين أي في كل حال وعن ابن عباس‏:‏ يصلون كذلك حسب الطاقة ‏{‏وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السموات والأرض‏}‏ ليستدلوا به على قدرة صانعهما يقولون ‏{‏رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا‏}‏ الخلق الذي نراه ‏{‏باطلا‏}‏ حال، عبثاً بل دليلاً على كمال قدرتك ‏{‏سبحانك‏}‏ تنزيهاً لك عن العبث ‏{‏فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏192‏]‏

‏{‏رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ‏(‏192‏)‏‏}‏

‏{‏رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار‏}‏ للخلود فيها ‏{‏فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ‏}‏ أهنته ‏{‏وَمَا للظالمين‏}‏ الكافرين، فيه وضع الظاهر موضع المضمر إشعاراً بتخصيص الخزي بهم ‏{‏مِنْ‏}‏ زائدة ‏{‏أَنصَارٍ‏}‏ يمنعونهم من عذاب الله تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏193‏]‏

‏{‏رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ‏(‏193‏)‏‏}‏

‏{‏رَّبَّنآ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى‏}‏ يدعو الناس ‏{‏للإيمان‏}‏ أي إليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم أو القرآن ‏{‏أَنْ‏}‏ أي بأن ‏{‏ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَئَامَنَّا‏}‏ به ‏{‏رَبَّنَا فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ‏}‏ نحطّ ‏{‏عَنَّا سَيّئَاتِنَا‏}‏ فلا تظهرها بالعقاب عليها ‏{‏وَتَوَفَّنَا‏}‏ اقبض أرواحنا ‏{‏مَعَ‏}‏ في جملة ‏{‏الأبرار‏}‏ الأنبياء والصالحين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏194‏]‏

‏{‏رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ‏(‏194‏)‏‏}‏

‏{‏رَبَّنَا وَءاتِنَا‏}‏ أعطنا ‏{‏مَا وَعَدتَّنَا‏}‏ به ‏{‏على‏}‏ ألسنة ‏{‏رُسُلِكَ‏}‏ من الرحمة والفضل وسؤالهم ذلك وإن كان وعده تعالى لا يخلف سؤال أن يجعلهم من مستحقيه لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم له، وتكرير «ربنا» مبالغة في التضرّع ‏{‏وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد‏}‏ الوعد بالبعث والجزاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏195‏]‏

‏{‏فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ‏(‏195‏)‏‏}‏

‏{‏فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ‏}‏ دعاءهم ‏{‏أنّى‏}‏ أي بأني ‏{‏لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى بَعْضُكُم‏}‏ كائن ‏{‏مّن بَعْضٍ‏}‏ أي الذكور من الإناث وبالعكس، والجملة مؤكدة لما قبلها‏:‏ أي هم سواء في المجازاة بالأعمال وترك تضييعها، نزلت لما قالت أم سلمة‏:‏ يا رسول الله إني لا أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء ‏{‏فالذين هاجروا‏}‏ من مكة إلى المدينة ‏{‏وَأُخْرِجُواْ مِن ديارهم وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى‏}‏ ديني ‏{‏وَقَاتِلُواْ‏}‏ الكفار ‏{‏وَقُتّلُواْ‏}‏ بالتخفيف والتشديد‏.‏ وفي قراءة بتقديمه ‏{‏لأُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سيئاتهم‏}‏ أسترها بالمغفرة ‏{‏وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار ثَوَاباً‏}‏ مصدر مِن معنى لأكفرنّ مؤكد له ‏{‏مِنْ عِندِ الله‏}‏ فيه التفات عن التكلم ‏{‏والله عِندَهُ حُسْنُ الثواب‏}‏ الجزاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏196‏]‏

‏{‏لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ‏(‏196‏)‏‏}‏

ونزل لما قال المسلمون‏:‏ أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد ‏{‏لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الذين كَفَرُواْ‏}‏ تصرّفهم ‏{‏فِى البلاد‏}‏ بالتجارة والكسب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏197‏]‏

‏{‏مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ‏(‏197‏)‏‏}‏

هو ‏{‏متاع قَلِيلٌ‏}‏ يتمتعون به يسيراً في الدنيا ويفنى ‏{‏ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد‏}‏ الفراش هي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏198‏]‏

‏{‏لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ‏(‏198‏)‏‏}‏

‏{‏لَكِنِ الذين اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار خالدين‏}‏ أي مقدّرين الخلود ‏{‏فِيهَا نُزُلاٍ‏}‏ هو ما يعدّ للضيف، ونصبه على الحال من جنات، والعامل فيها معنى الظرف ‏{‏مّنْ عِندِ الله وَمَا عِندَ الله‏}‏ من الثواب ‏{‏خَيْرٌ لّلابْرَارِ‏}‏ من متاع الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏199‏]‏

‏{‏وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ‏(‏199‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بالله‏}‏ كعبد الله بن سلام وأصحابه والنجاشي ‏{‏وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ‏}‏ أي القرآن ‏{‏وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ‏}‏ أي التوراة والإنجيل ‏{‏خاشعين‏}‏ حال من ضمير «يؤمن» مراعى فيه معنى «من» أي متواضعين ‏{‏للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بئايات الله‏}‏ التي عندهم في التوراة والإنجيل من بعث النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏ثَمَناً قَلِيلاً‏}‏ من الدنيا بأن يكتموها خوفاً على الرياسة كفعل غيرهم من اليهود ‏{‏أُوْلئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ‏}‏ ثواب أعمالهم ‏{‏عِندَ رَبّهِمْ‏}‏ يؤتونه مرتين كما في ‏(‏القصص‏)‏ ‏[‏28‏:‏ 50-55‏]‏ ‏{‏إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب‏}‏ يحاسب الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏200‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‏(‏200‏)‏‏}‏

‏{‏الحساب ياأيها الذين ءَامَنُواْ اصبروا‏}‏ على الطاعات والمصائب وعن المعاصي ‏{‏وَصَابِرُواْ‏}‏ الكفار فلا يكونوا أشدَّ صبراً منكم ‏{‏وَرَابِطُواْ‏}‏ أقيموا على الجهاد ‏{‏واتقوا الله‏}‏ في جميع أحوالكم ‏{‏لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ تفوزون بالجنة وتنجون من النار‏.‏

سورة النساء

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏يا أَيُّهَا الناس‏}‏ من أهل مكة ‏{‏اتقوا رَبَّكُمُ‏}‏ أي عقابه بأن تطيعوه ‏{‏الذى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة‏}‏ آدم ‏{‏وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا‏}‏ حواء بالمد من ضلع من أضلاعه اليسرى ‏{‏وَبَثَّ‏}‏ فَرَّقَ وَنَشرَ ‏{‏مِنْهُمَا‏}‏ من آدم وحوّاء ‏{‏رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً‏}‏ كثيرة ‏{‏واتقوا الله الذى تَسَاءَلُونَ‏}‏ فيه إدغام التاء في الأصل في السين، وفي قراءة بالتخفيف بحذفها أي تتساءلون ‏{‏بِهِ‏}‏ فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض ‏(‏أسألك بالله‏)‏ و‏(‏أنشدك بالله‏)‏ ‏{‏وَ‏}‏ اتقوا ‏{‏الأرحام‏}‏ أن تقطعّوها، وفي قراءة بالجرّ عطفا على الضمير في «به»، وكانوا يتناشدون بالرحم ‏{‏إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً‏}‏ حافظاً لأعمالكم فيجازيكم بها أي لم يزل متصفا بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ‏(‏2‏)‏‏}‏

ونزل في يتيم طلب من وليه ماله فمنعه ‏{‏وَءاتُواْ اليتامى‏}‏ الصغار الذين لا أب لهم ‏{‏أموالهم‏}‏ إذا بلغوا ‏{‏وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الخبيث‏}‏ الحرام ‏{‏بالطيب‏}‏ الحلال أي تأخذوه بدله كما تفعلون من أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مالكم مكانه ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالهم‏}‏ مضمومة ‏{‏إلى أموالكم إِنَّهُ‏}‏ أي أكلها ‏{‏كَانَ حُوباً‏}‏ ذنباً ‏{‏كَبِيراً‏}‏ عظيماً‏.‏ ولما نزلت تحرّجوا من ولاية اليتامى وكان فيهم من تحته العشر أو الثمان من الأزواج فلا يعدل بينهن فنزل‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَ‏}‏ ن ‏{‏لا تُقْسِطُواْ‏}‏ تعدلوا ‏{‏فِى اليتامى‏}‏ فتحرّجتم من أمرهم فخافوا أيضاً أن لا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن ‏{‏فانكحوا‏}‏ تزوّجوا ‏{‏مَا‏}‏ بمعنى ‏(‏مَن‏)‏ ‏{‏طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء مثنى وثلاث وَرُبَاعَ‏}‏ أي اثنتين اثنتين وثلاثاً ثلاثاً وأربعاً أربعاً ولا تزيدوا على ذلك ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَ‏}‏ نْ ‏{‏لا تَعْدِلُواْ‏}‏ فيهن بالنفقة والقَسْم ‏{‏فواحدة‏}‏ انكحوها ‏{‏أَوْ‏}‏ اقتصروا على ‏{‏مَا مَلَكَتْ أيمانكم‏}‏ من الإماء إذ ليس لهن من الحقوق ما للزوجات ‏{‏ذلك‏}‏ أي نكاح الأربع فقط أو الواحدة أو التسرِّي ‏{‏أدنى‏}‏ أقرب إلى ‏{‏أَلاَّ تَعُولُواْ‏}‏ تجوروا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏وَءَاتُواْ‏}‏ أعطوا ‏{‏النساء صدقاتهن‏}‏ جمع ‏(‏صَدُقَة‏)‏ ‏(‏مهورهن‏)‏ ‏{‏نِحْلَةً‏}‏ مصدر عطية عن طيب نفس ‏{‏فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَئ مّنْهُ نَفْساً‏}‏ تمييز محول عن الفاعل، أي طابت أنفسهن لكم عن شيء من الصداق فوهبنه لكم ‏{‏فَكُلُوهُ هَنِيئاً‏}‏ طيباً ‏{‏مَّرِيئاً‏}‏ محمود العاقبة لا ضرر فيه عليكم في الآخرة نزلت ردًّا على من كره ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تُؤْتُواْ‏}‏ أيها الأولياء ‏{‏السفهاء‏}‏ المبذِّرين من الرجال والنساء والصبيان ‏{‏أموالكم‏}‏ أي أموالهم التي في أيديكم ‏{‏التى جَعَلَ الله لَكُمْ قياما‏}‏ مصدر ‏(‏قام‏)‏ أي تقوم بمعاشكم وصلاح أَوَدِكم فيضيعوها في غير وجهها، وفي قراءة «قِيمَا» جمع ‏(‏قيمة‏)‏ ما تقوم به الأمتعة ‏{‏وارزقوهم فِيهَا‏}‏ أطعموهم منها ‏{‏واكسوهم وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً‏}‏ عِدُوهم عِدَةً جميلة بإعطائهم أموالهم إذا رشدوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏وابتلوا‏}‏ اختبروا ‏{‏اليتامى‏}‏ قبل البلوغ في دينهم وتصرفهم في أحوالهم ‏{‏حتى إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ‏}‏ أي صاروا أهلاً له بالاحتلام أو السن وهو استكمال خمسة عشرة سنة عند الشافعي ‏{‏فَإِنْ ءَانَسْتُم‏}‏ أبصرتم ‏{‏مِّنْهُمْ رُشْداً‏}‏ صلاحا في دينهم ومالهم ‏{‏فادفعوا إِلَيْهِمْ أموالهم وَلاَ تَأْكُلُوهَا‏}‏ أيها الأولياء ‏{‏إِسْرَافاً‏}‏ بغير حق حال ‏{‏وَبِدَاراً‏}‏ أي مبادرين إلى إنفاقها مخافة ‏{‏أَن يَكْبَرُواْ‏}‏ رشداء فيلزمكم تسليمها إليهم ‏{‏وَمَن كَانَ‏}‏ من الأولياء ‏{‏غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ‏}‏ أي يعف عن مال اليتيم ويمتنع من أكله ‏{‏وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ‏}‏ منه ‏{‏بالمعروف‏}‏ بقدر أجرة عمله ‏{‏فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ‏}‏ أي إلى اليتامى ‏{‏أموالهم فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ‏}‏ أنهم تسلموها وبرئتم لئلا يقع اختلاف فترجعوا إلى البينة وهذا أمر إرشاد ‏{‏وكفى بالله‏}‏ الباء زائدة ‏{‏حَسِيباً‏}‏ حافظاً لأعمال خلقه ومحاسبهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ‏(‏7‏)‏‏}‏

ونزل ردًّا لِما كان عليه الجاهلية من عدم توريث النساء والصغار ‏{‏لّلرّجَالِ‏}‏ الأولاد والأقرباء ‏{‏نَّصِيبٌ‏}‏ حظٌّ ‏{‏مّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون‏}‏ المتوفون ‏{‏وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون مِمَّا قَلَّ مِنْهُ‏}‏ أي المال ‏{‏أَوْ كَثُرَ‏}‏ جعله الله ‏{‏نَصِيباً مَّفْرُوضاً‏}‏ مقطوعاً بتسليمه إليهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا حَضَرَ القسمة‏}‏ للميراث ‏{‏أُوْلُوا القربى‏}‏ ذوو القرابة ممن لا يرث ‏{‏واليتامى والمساكين فارزقوهم مّنْهُ‏}‏ شيئاً قبل القسمة ‏{‏وَقُولُواْ‏}‏ أيها الأولياء ‏{‏لَهُمْ‏}‏ إذا كان الورثة صغاراً ‏{‏قَوْلاً مَّعْرُوفاً‏}‏ جميلاً بأن تعتذروا إليهم أنكم لا تملكونه وأنه للصغار وهذا قيل إنه منسوخ وقيل لا ولكن تهاون الناس في تركه وعليه فهو ندب وعن ابن عباس واجب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏وَلْيَخْشَ‏}‏ أي ليخف على اليتامى ‏{‏الذين لَوْ تَرَكُواْ‏}‏ أي قاربوا أن يتركوا ‏{‏مِّنْ خَلْفِهِمْ‏}‏ أي بعد موتهم ‏{‏ذُرّيَّةً ضعافا‏}‏ أولاداً صغاراً ‏{‏خَافُواْ عَلَيْهِمْ‏}‏ الضياع ‏{‏فَلْيَتَّقُواّ الله‏}‏ في أمر اليتامى وليأتوا إليهم ما يحبون أن يفعل بذرّيتهم من بعدهم ‏{‏وَلِيَقُولُواْ‏}‏ للميّت ‏{‏قَوْلاً سَدِيداً‏}‏ صواباً بأن يأمروه أن يتصَّدق بدون ثلثه ويدع الباقي لورثته ولا يتركهم عالة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً‏}‏ بغير حق ‏{‏إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ‏}‏ أي مِلأها ‏{‏نَارًا‏}‏ لأنه يؤول إليها ‏{‏وَسَيَصْلَوْنَ‏}‏ بالبناء للفاعل والمفعول يدخلون ‏{‏سَعِيراً‏}‏ ناراً شديدة يحترقون فيها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏يُوصِيكُمُ‏}‏ يأمركم ‏{‏الله فِى‏}‏ شأن ‏{‏أولادكم‏}‏ بما يذكر ‏{‏لِلذّكْرِ‏}‏ منهم ‏{‏مِثْلُ حَظِ‏}‏ نصيب ‏{‏الأنثيين‏}‏ إذا اجتمعتا معه فله نصف المال ولهما النصف فإن كان معه واحدة فلها الثلث وله الثلثان وإن انفرد حاز المال ‏{‏فَإِن كُنَّ‏}‏ أي الأولاد ‏{‏نِسَاءً‏}‏ فقط ‏{‏فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ‏}‏ الميت وكذا الاثنتان لأنه للأختين بقوله «فلهما الثلثان مما ترك» فهما أولى ولأن البنت تستحق الثلث مع الذكر فمع الأنثى أولى‏.‏ «وفوق» قيل صلة وقيل لدفع توهم زيادة النصيب بزيادة العدد لمّا فُهِمَ استحقاق البنتين الثلثين من جعل الثلث للواحدة مع الذكر ‏{‏وَإِن كَانَتْ‏}‏ المولودة ‏{‏واحدة‏}‏ وفي قراءة بالرفع، ‏(‏فكان‏)‏ تامة ‏{‏فَلَهَا النصف وَلأَبَوَيْهِ‏}‏ أي الميت ويبدل منهما ‏{‏لِكُلّ واحد مّنْهُمَا السدس مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ‏}‏ ذكر أو أنثى‏.‏ ونكتة البدل إفادة أنهما لا يشتركان فيه وألحق بالولد ولد الابن وبالأب الجدّ ‏{‏فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ‏}‏ فقط أو مع زوج ‏{‏فَلأُمّهِ‏}‏ بضم الهمزة وكسرها فراراً من الانتقال من ضمة إلى كسرة لثقله في الموضعين ‏{‏الثلث‏}‏ أي ثلث المال أو ما يبقى بعد الزوج والباقي للأب ‏{‏فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ‏}‏ أي اثنان فصاعداً ذكوٌر أو إناث ‏{‏فَلاِمِهِ السدس‏}‏ والباقي للأب ولا شيء للإخوة وإرث من ذكر ما ذكر ‏{‏مِن بَعْدِ‏}‏ تنفيذ ‏{‏وَصِيَّةٍ يُوصِى‏}‏ بالبناء للفاعل والمفعول ‏{‏بِهَا أَوْ‏}‏ قضاء ‏{‏دِينِ‏}‏ عليه، وتقديم الوصية على الدين وإن كانت مؤخرة عنه في الوفاء للاهتمام بها ‏{‏ءَابَاؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ‏}‏ مبتدأ، خبره ‏{‏لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً‏}‏ في الدنيا والآخرة فظانٌّ أن ابنه أنفعُ له فيعطيه الميراث فيكون الأب أنفع وبالعكس وإنما العالمُ بذلك الله ففرض لكم الميراث ‏{‏فَرِيضَةً مِّنَ الله إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً‏}‏ بخلقه ‏{‏حَكِيماً‏}‏ فيما دبَّره لهم أي‏:‏ لم يزل متصفاً بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكم إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ‏}‏ منكم أو من غيركم ‏{‏فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الربع مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ‏}‏ وألحق بالولد في ذلك ولد الابن بالإجماع ‏{‏وَلَهُنَّ‏}‏ أي الزوجات تعدّدن أو لا ‏{‏الربع مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ‏}‏ منهنّ أو من غيرهنّ ‏{‏فَلَهُنَّ الثمن مِمَّا تَرَكْتُم مّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ‏}‏ وولد الابن في ذلك كالولد إجماعاً ‏{‏وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ‏}‏ صفة والخبر ‏{‏كلالة‏}‏ أي لا والد له ولا ولد ‏{‏أَو امرأة‏}‏ تورث كلالة ‏{‏وَلَهُ‏}‏ أي للموروث كلالة ‏{‏أَخٌ أَوْ أُخْتٌ‏}‏ أي من أمّ وقرأ به ابن مسعود وغيره ‏{‏فَلِكُلّ واحد مّنْهُمَا السدس‏}‏ مما ترك ‏{‏فَإِن كَانُواْ‏}‏ أي الإخوة والأخوات من الأمّ ‏{‏أَكْثَرَ مِن ذلك‏}‏ أي من واحد ‏{‏فَهُمْ شُرَكَاءُ فِى الثلث‏}‏ يستوي فيه ذَكَرُهم وأُنثاهم ‏{‏مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارّ‏}‏ حال من ضمير ‏(‏يوصي‏)‏ أي غير مدخل الضرر على الورثة بأن يوصى بأكثر من الثلث ‏{‏وَصِيَّةً‏}‏ مصدر مؤكد ل ‏(‏يوصيكم‏)‏ ‏{‏مِّنَ الله والله عَلِيمٌ‏}‏ بما دبره لخلقه من الفرائض ‏{‏حَلِيمٌ‏}‏ بتأخير العقوبة عمن خالفه، وخصت السنة توريث من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل أو اختلاف دين أو رقٍّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏تِلْكَ‏}‏ الأحكام المذكورة من أمر اليتامى وما بعده ‏{‏حُدُودُ الله‏}‏ شرائعه التي حدّها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدّوها ‏{‏وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ‏}‏ فيما حكم به ‏{‏يُدْخِلْهُ‏}‏ بالياء والنون التفاتا ‏{‏جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهر خالدين فِيهَا وذلك الفوز العظيم‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ‏}‏ بالوجهين ‏[‏يدخله وندخله‏]‏ ‏{‏نَاراً خالدا فِيهَا وَلَهُ‏}‏ فيها ‏{‏عَذَابٌ مُّهِينٌ‏}‏ ذو إهانة وروعي في الضمائر في الآيتين لفظ «من» وفي «خالدين» معناها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏والاتى يَأْتِينَ الفاحشة‏}‏ الزنا ‏{‏مِن نّسَائِكُمْ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ‏}‏ أي من رجالكم المسلمين ‏{‏فَإِن شَهِدُواْ‏}‏ عليهنّ بها ‏{‏فَأَمْسِكُوهُنَّ‏}‏ احبسوهنّ ‏{‏فِى البيوت‏}‏ وامنعوهنّ من مخالطة الناس ‏{‏حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت‏}‏ أي ملائكته ‏{‏أَوْ‏}‏ إلى أن ‏{‏يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً‏}‏ طريقاً إلى الخروج منها أُمِرُوا بذلك أوّل الإسلام ثم جعل لهنّ سبيلاً بجلد البكر مائة وتغريبها عاماً، ورجم المحصنة، وفي الحديث لما بيَّن الحدّ قال «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهنّ سبيلاً» رواه مسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏واللذان‏}‏ بتخفيف النون وتشديدها ‏{‏يأتيانها‏}‏ أي الفاحشة‏:‏ الزنا أو اللواط ‏{‏مِّنكُمْ‏}‏ أي الرجال ‏{‏فَئَاذُوهُمَا‏}‏ بالسبّ والضرب بالنعال ‏{‏فَإِن تَابَا‏}‏ منها ‏{‏وَأَصْلَحَا‏}‏ العمل ‏{‏فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا‏}‏ ولا تؤذوهما ‏{‏إِنَّ الله كَانَ تَوَّاباً‏}‏ على من تاب ‏{‏رَّحِيماً‏}‏ به وهذا منسوخ بالحدّ إن أريد بها الزنا، وكذا إن أريد بها اللواط عند الشافعي لكنّ المفعول به لا يرجم عنده- وإن كان محصناً- بل يُجلد ويُغرّب، وإرادة اللواط أظهر بدليل تثنية الضمير والأوّل قال أراد الزاني والزانية، ويردّه تبيينهما ب «من» المتصلة بضمير الرجال واشتراكهما في الأذى والتوبة والإعراض وهو مخصوص بالرجال لما تقدّم في النساء من الحبس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّمَا التوبة عَلَى الله‏}‏ أي التي كتب على نفسه قبولها بفضله ‏{‏لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السوء‏}‏ المعصية ‏{‏بِجَهَالَةٍ‏}‏ حال أي جاهلين إذ عصوا ربهم ‏{‏ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن‏}‏ زمن ‏{‏قَرِيب‏}‏ قبل أن يغرغروا ‏{‏فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ الله عَلَيْهِمْ‏}‏ يقبل توبتهم ‏{‏وَكَانَ الله عَلِيماً‏}‏ بخلقه ‏{‏حَكِيماً‏}‏ في صنعه بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات‏}‏ الذنوب ‏{‏حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت‏}‏ وأخذ في النزع ‏{‏قَالَ‏}‏ عند مشاهدة ما هو فيه ‏{‏إِنّى تُبْتُ الئ ان‏}‏ فلا ينفعه ذلك ولا يقبل منه ‏{‏وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ‏}‏ إذا تابوا في الآخرة عند معاينة العذاب لا تقبل منهم ‏{‏أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا‏}‏ أعددنا ‏{‏لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً‏}‏ مؤلماً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النساء‏}‏ أي ذاتهن ‏{‏كَرْهاً‏}‏ بالفتح والضم لغتان أي مكرهيهن على ذلك كانوا في الجاهلية يرثون نساء أقربائهم فإن شاؤوا تزوَّجوهن بلا صداق أو زوّجوهن وأخذوا صداقهن، أو عضلوهن حتى يفتدين بما ورثته، أو يمتن فيرثوهن فنُهُوا عن ذلك ‏{‏وَلاَ‏}‏ أن ‏{‏تَعْضُلُوهُنَّ‏}‏ أي تمنعوا أزواجكم عن نكاح غيركم بإمساكهنّ ولا رغبة لكم فيهنّ ضِرَارا ‏{‏لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ‏}‏ من المهر ‏{‏إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ‏}‏ بفتح الياء وكسرها أي بيِنت أو هي بينة أي زنا أو نشوز فلكم أن تضارّوهنّ حتى يفتدين منكم ويختلعن ‏{‏وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف‏}‏ أي بالإِجمال في القول والنفقة والمبيت ‏{‏فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ‏}‏ فاصبروا ‏{‏فعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً‏}‏ ولعله يجعل فيهنّ ذلك بأن يرزقكم منهنّ ولداً صالحاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُّمُ استبدال زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ‏}‏ أي أخذ بدلها بأن طلقتموها ‏{‏وَ‏}‏ قد ‏{‏ءاتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ‏}‏ أي الزوجات ‏{‏قِنْطَاراً‏}‏ مالاً كثيراً صداقاً ‏{‏فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بهتانا‏}‏ ظلماً ‏{‏وَإِثْماً مُّبِيناً‏}‏ بَيِّناً‏؟‏ ونصبهما على الحال والاستفهام للتوبيخ وللإنكار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ‏}‏ أي بأيّ وجه ‏{‏وَقَدْ أفضى‏}‏ وصل ‏{‏بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ‏}‏ بالجماع المقرّر للمهر ‏{‏وَأَخَذْنَ مِنكُم ميثاقا‏}‏ عهداً ‏{‏غَلِيظاً‏}‏ شديداً وهو ما أمر الله به من إمساكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تَنكِحُواْ مَا‏}‏ بمعنى ‏(‏من‏)‏ ‏{‏نَكَحَ ءَابَاؤُكُمْ مّنَ النساء إِلاَّ‏}‏ لكن ‏{‏مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ من فعلكم ذلك فإنه معفوّ عنه ‏{‏إِنَّهُ‏}‏ أي نكاحهنّ ‏{‏كَانَ فَاحِشَةً‏}‏ قبيحاً ‏{‏وَمَقْتاً‏}‏ سبباً للمقت من الله وهو أشدّ البغض ‏{‏وَسَاءَ‏}‏ بئس ‏{‏سَبِيلاً‏}‏ طريقاً ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم‏}‏ أن تنكحوهنّ وشملت الجدات من قبل الأب أو الأمّ ‏{‏وبناتكم‏}‏ وشملت بنات الأولاد وإن سفلن ‏{‏وأخواتكم‏}‏ من جهة الأب أو الأمّ ‏{‏وعماتكم‏}‏ أي أخوات آبائكم وأجدادكم ‏{‏وخالاتكم‏}‏ أي أخوات أمّهاتكم وَجدّاتكم ‏{‏وَبَنَاتُ الأخ وَبَنَاتُ الأخت‏}‏ ويدخل فيهن أولادهم ‏{‏وأمهاتكم الْلاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ‏}‏ قبل استكمال الحولين خمس رضعات كما بينه الحديث ‏{‏وأخواتكم مّنَ الرضاعة‏}‏ ويلحق بذلك بالسنة البنات منها وهن من أرضعتهن موطوءته وَالعمات وَالخالات وَبنات الأخ وَبنات الأخت منها لحديث «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» رواه البخاري ومسلم ‏{‏وأمهات نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ‏}‏ جمع ‏(‏ربيبة‏)‏ وهي بنت الزوجة من غيره ‏{‏الاتى فِى حُجُورِكُمْ‏}‏ تربونهن صفة موافقة للغالب فلا مفهوم لها ‏{‏مّن نِّسَائِكُمُ الاتى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ‏}‏ أي جامعتموهنّ ‏{‏فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ‏}‏ في نكاح بناتهنّ إذا فارقتموهنّ ‏{‏وحلائل‏}‏ أزواج ‏{‏أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أصلابكم‏}‏ بخلاف من تبنيتموهم فلكم نكاح حلائلهم ‏{‏وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين‏}‏ من نسب أو رضاع بالنكاح ويلحق بهما بالسنة الجمع بينها وبين عمتها أو خالتها ويجوز نكاح كل واحدة على الانفراد وملكهما معاً ويطأ واحدة ‏{‏إِلا‏}‏ لكن ‏{‏مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ في الجاهلية من نكاحهم بعض ما ذكر فلا جناح عليكم فيه ‏{‏إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً‏}‏ لما سلف منكم قبل النهي ‏{‏رَّحِيماً‏}‏ بكم في ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ حرّمت عليكم ‏{‏المحصنات‏}‏ أي ذوات الأزواج ‏{‏مِّنَ النساء‏}‏ أن تنكحوهن قبل مفارقة أزواجهن حرائر مسلمات كنّ أو لا ‏{‏إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم‏}‏ من الإماءِ بالسبي فلكم وطؤهن وإن كان لهنّ أزواج في دار الحرب بعد الاستبراء ‏{‏كتاب الله‏}‏ نصب على المصدر أي كُتِبَ ذلك ‏{‏عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ‏}‏ بالبناء للفاعل والمفعول ‏{‏لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ‏}‏ أي سوى ما حرّم عليكم من النساء ‏{‏أَن تَبْتَغُواْ‏}‏ تطلبوا النساء ‏{‏بأموالكم‏}‏ بصداق أو ثمن ‏{‏مُّحْصِنِينَ‏}‏ متزوّجين ‏{‏غَيْرَ مسافحين‏}‏ زانين ‏{‏فَمَا‏}‏ فمن ‏{‏استمتعتم‏}‏ تمتعتم ‏{‏بِهِ مِنْهُنَّ‏}‏ ممن تزوّجتم بالوطء ‏{‏فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ مهورهنّ التي فرضتم لهن ‏{‏فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ‏}‏ أنتم وهنّ ‏{‏بِهِ مِن بَعْدِ الفريضة‏}‏ من حطها أو بعضها أو زيادة عليها ‏{‏إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً‏}‏ بخلقه ‏{‏حَكِيماً‏}‏ فيما دبره لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً‏}‏ أي غنى ل ‏{‏أَن يَنكِحَ المحصنات‏}‏ الحرائر ‏{‏المؤمنات‏}‏ هو جَريٌ على الغالب فلا مفهوم له ‏{‏فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أيمانكم‏}‏ ينكح ‏{‏مّن فتياتكم المؤمنات والله أَعْلَمُ بإيمانكم‏}‏ فاكتفُوا بظاهره وكِلُوا السرائر إليه فإنه العالم بتفصيلها، ورُبَّ أَمَةٍ تفضل الحرّة فيه وهذا تأنيس بنكاح الإماء ‏{‏بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ‏}‏ أي أنتم وهنّ سواء في الدين فلا تستنكفوا من نكاحهنّ ‏{‏فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ‏}‏ مواليهن ‏{‏وَءاتُوهُنَّ‏}‏ أعطوهنّ ‏{‏أُجُورَهُنَّ‏}‏ مهورهنّ ‏{‏بالمعروف‏}‏ من غير مَطل ونقص ‏{‏محصنات‏}‏ عفائف حال ‏{‏غَيْرَ مسافحات‏}‏ زانيات جهراً ‏{‏وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ‏}‏ أخلاّء يزنون بهنّ سرًّا ‏{‏فَإِذَا أُحْصِنَّ‏}‏ زُوِّجن وفي قراءة بالبناء للفاعل تَزَوَّجْنَ ‏{‏فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة‏}‏ زناً ‏{‏فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات‏}‏ الحرائر الأبكار إذا زنين ‏{‏مّنَ العذاب‏}‏ الحدّ فيجلدن خمسين ويغرّبن نصف سنة، ويقاس عليهن العبيد، ولم يجعل الإحصان شرطاً لوجوب الحدّ بل لإفادة أنه لا رجم عليهنّ أصلاً ‏{‏ذلك‏}‏ أي نكاح المملوكات عند عدم الطَّوْل ‏{‏لِمَنْ خَشِىَ‏}‏ خاف ‏{‏العنت‏}‏ الزنا وأصله المشقة سمي به الزنا لأنه سببها بالحدّ في الدنيا والعقوبة في الآخرة ‏{‏مّنكُمْ‏}‏ بخلاف من لا يخافه من الأحرار فلا يحل له نكاحها وكذا من استطاع طَوْلَ حرّة وعليه الشافعي‏.‏ وخرج بقوله «من فتياتكم المؤمنات» الكافرات فلا يحل له نكاحها ولو عدم وخاف ‏{‏وَأَن تَصْبِرُواْ‏}‏ عن نكاح المملوكات ‏{‏خَيْرٌ لَّكُمْ‏}‏ لئلا يصير الولد رقيقاً ‏{‏والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ بالتوسعة في ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ‏}‏ شرائع دينكم ومصالح أمركم ‏{‏وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ‏}‏ طرائق ‏{‏مِن قَبْلِكُمْ‏}‏ من الأنبياء في التحليل والتحريم فتتبعوهم ‏{‏وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ‏}‏ يرجع بكم عن معصيته التي كنتم عليها إلى طاعته ‏{‏والله عَلِيمٌ‏}‏ بكم ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ فيما دبره لكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ‏}‏ كرّره ليبني عليه ‏{‏وَيُرِيدُ الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات‏}‏ اليهود والنصارى أو المجوس أو الزناة ‏{‏أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً‏}‏ تعدلوا عن الحق بارتكاب ما حرّم عليكم فتكونوا مثلهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ‏}‏ يسهل عليكم أحكام الشرع ‏{‏وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً‏}‏ لا يصبر عن النساء والشهوات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أموالكم بَيْنَكُمْ بالباطل‏}‏ بالحرام في الشرع كالربا والغصب ‏{‏إِلآَّ‏}‏ لكن ‏{‏أَن تَكُونَ‏}‏ تقع ‏{‏تجارة‏}‏ وفي قراءة بالنصب، أي تكون الأموال أموال تجارة صادرة ‏{‏عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ‏}‏ وطيب نفس فلكم أن تأكلوها ‏{‏وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ‏}‏ بارتكاب ما يؤدِّي إلى هلاكها أياً كان في الدنيا أو الآخرة بقرينة ‏{‏إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً‏}‏ في منعه لكم من ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يَفْعَلْ ذلك‏}‏ أي ما نُهي عنه ‏{‏عدوانا‏}‏ تجاوزاً للحلال حال ‏{‏وَظُلْماً‏}‏ تأكيد ‏{‏فَسَوْفَ نُصْلِيهِ‏}‏ ندخله ‏{‏نَارًا‏}‏ يحترق فيها ‏{‏وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً‏}‏ هيِّناً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ‏}‏ وهي ما ورد عليها وعيد كالقتل والزنا والسرقة، وعن ابن عباس‏:‏ هي إلى السبعمائة أقرب ‏{‏نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سيئاتكم‏}‏ الصغائر بالطاعات ‏{‏وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً‏}‏ بضم الميم وفتحها أي إدخالاً أو موضعاً ‏{‏كَرِيماً‏}‏ هو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ‏}‏ من جهة الدنيا أو الدين لئلا يؤدي إلى التحاسد والتباغض ‏{‏لّلرّجَالِ نَصِيبٌ‏}‏ ثواب ‏{‏مِّمَّا اكتسبوا‏}‏ بسبب ما عملوا من الجهاد وغيره ‏{‏وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مّمَّا اكتسبن‏}‏ من طاعة أزواجهنّ وحفظ فروجهن، نزلت لما قالت أم سلمة‏:‏ ‏(‏ليتنا كنا رجالاً فجاهَدْنا وكان لنا مثل أجر الرجال‏)‏ ‏{‏وَسْئَلُواْ‏}‏ بهمزة ودونها ‏[‏وسَلُوا‏]‏ ‏{‏الله مِن فَضْلِهِ‏}‏ ما احتجتم إليه يعطكم ‏{‏إِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَئ عَلِيماً‏}‏ ومنه محل الفضل وسؤالكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏وَلِكُلٍّ‏}‏ من الرجال والنساء ‏{‏جَعَلْنَا مَوَالِىَ‏}‏ عَصَبَةً يُعطَوْن ‏{‏مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون‏}‏ لهم من المال ‏{‏والذين عاقَدَتْ‏}‏ بألف ودونها ‏[‏عقدت‏]‏ ‏{‏أيمانكم‏}‏ جمع ‏(‏يمين‏)‏ بمعنى القسم أو اليد أي الحلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث ‏{‏فَئَاتُوهُمْ‏}‏ الآن ‏{‏نَصِيبَهُمْ‏}‏ حظوظهم من الميراث وهو السدس ‏{‏إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَئ شَهِيداً‏}‏ مطلعاً ومنه حالكم، وهذا منسوخ بقوله ‏{‏وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ‏}‏ ‏[‏75‏:‏ 8‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏الرجال قَوَّامُونَ‏}‏ مسلطون ‏{‏عَلَى النسآء‏}‏ يؤدِّبونهن ويأخذون على أيديهِنَّ ‏{‏بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ‏}‏ أي بتفضيله لهم عليهن بالعلم والعقل والولاية وغير ذلك ‏{‏وَبِمَآ أَنفَقُواْ‏}‏ عليهن ‏{‏مِنْ أموالهم فالصالحات‏}‏ منهن ‏{‏قانتات‏}‏ مطيعات لأزواجهن ‏{‏حافظات لِّلْغَيْبِ‏}‏ أي لفروجهن وغيرها في غيبة أزواجهن ‏{‏بِمَا حَفِظَ‏}‏ لهنّ ‏{‏الله‏}‏ حيث أوصى عليهنّ الأزواج ‏{‏واللاتى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ‏}‏ عصيانهنّ لكم بأن ظهرت أماراته ‏{‏فَعِظُوهُنَّ‏}‏ فخوّفوهنّ الله ‏{‏واهجروهن فِى المضاجع‏}‏ اعتزلوا إلى فراش آخر إن أظهرن النشوز ‏{‏واضربوهن‏}‏ ضرباً غير مبرِّح إن لم يرجعن بالهجران ‏{‏فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ‏}‏ فيما يراد منهنّ ‏{‏فَلاَ تَبْغُواْ‏}‏ تطلبوا ‏{‏عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً‏}‏ طريقاً إلى ضربهن ظلماً ‏{‏إِنَّ الله كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً‏}‏ فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتموهنّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ‏}‏ علمتم ‏{‏شِقَاق‏}‏ خلاف ‏{‏بَيْنِهما‏}‏ بين الزوجين والإضافة للاتساع أي شقاقاً بينهما ‏{‏فابعثوا‏}‏ إليهما برضاهما ‏{‏حُكْمًا‏}‏ رجلاً عدلاً ‏{‏مِّنْ أَهْلِهِ‏}‏ أقاربه ‏{‏وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَآ‏}‏ ويوكل الزوج حكَمَه في طلاقِ وقبول عوض عليه وتوكل هي حكمها في الاختلاع فيجتهدان ويأمران الظالم بالرجوع أو يُفَرِّقانِ إن رأياه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِن يُرِيدآ‏}‏ أي الحكَمان ‏{‏إصلاحا يُوَفّقِ الله بَيْنَهُمَآ‏}‏ بين الزوجين أي يقدّرهما على ما هو الطاعة من إصلاح أو فراق ‏{‏إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً‏}‏ بكل شيء ‏{‏خَبِيراً‏}‏ بالبواطن كالظواهر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏واعبدوا الله‏}‏ وحِّدوه ‏{‏وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً و‏}‏ أحسنوا ‏{‏بالوالدين إحسانا‏}‏ برًّا ولينَ جانب ‏{‏وَبِذِى القربى‏}‏ القرابة ‏{‏واليتامى والمساكين والجار ذِى القربى‏}‏ القريب منك في الجوار أو النسب ‏{‏والجار الجنب‏}‏ البعيد عنك في الجوار أو النسب ‏{‏والصاحب بالجنب‏}‏ الرفيق في سفر أو صناعة، وقيل الزوجة ‏{‏وابن السبيل‏}‏ المنقطع في سفره ‏{‏وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم‏}‏ من الأرقاء ‏{‏إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً‏}‏ متكبرا ‏{‏فَخُوراً‏}‏ على الناس بما أوتي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏الذين‏}‏ مبتدأ ‏{‏يَبْخَلُونَ‏}‏ بما يجب عليهم ‏{‏وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل‏}‏ به ‏{‏وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ‏}‏ من العلم والمال وهم اليهود وخبر المبتدأ ‏(‏لهم وعيد شديد‏)‏ ‏{‏وَأَعْتَدْنَا للكافرين‏}‏ بذلك وبغيره ‏{‏عَذَاباً مُّهِيناً‏}‏ ذا إهانة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏والذين‏}‏ عطف على ‏(‏الذين‏)‏ قبله ‏{‏يُنْفِقُونَ أموالهم رِئَاء الناس‏}‏ مرائين لهم ‏{‏وَلاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الأخر‏}‏ كالمنافقين وأهل مكة ‏{‏وَمَن يَكُنِ الشيطان لَهُ قَرِيناً‏}‏ صاحباً يعمل بأمره كهؤلاء ‏{‏فَسَاءَ‏}‏ بئس ‏{‏قَرِيناً‏}‏ هو‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءَامَنُواْ بالله واليوم الأخر وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ الله‏}‏ أي‏:‏ أيُّ ضررٍ عليهم في ذلك‏؟‏ والاستفهام للإنكار و‏(‏لو‏)‏ مصدرية أي لا ضرر فيه وَإنما الضرر فيما هم عليه ‏{‏وَكَانَ الله بِهِم عَلِيماً‏}‏ فيجازيهم بما عملوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ‏}‏ أحداً ‏{‏مِثْقَالَ‏}‏ وزن ‏{‏ذَرَّةٍ‏}‏ أصغر نملة بأن ينقصها من حسناته أو يزيدها في سيئاته ‏{‏وَإِن تَكُ‏}‏ الذرّة ‏{‏حَسَنَةً‏}‏ من مؤمن وفي قراءة بالرفع ف «كان» تامة ‏{‏يضاعفها‏}‏ من عشر إلى أكثر من سبعمائة وفي قراءة «يُضَعِّفْهَا» بالتشديد ‏{‏وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ‏}‏ من عنده مع المضاعفة ‏{‏أَجْراً عَظِيماً‏}‏ لا يقدّره أحد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏فَكَيْفَ‏}‏ حال الكفار ‏{‏إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ‏}‏ يشهد عليها بعملها وهو نبيها ‏{‏وَجِئْنَا بِكَ‏}‏ يا محمد ‏{‏على هَؤُلاء شَهِيداً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏يَوْمَئِذٍ‏}‏ يوم المجيء ‏{‏يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول لَوْ‏}‏ أي أن ‏{‏تسوى‏}‏ بالبناء للمفعول والفاعل مع حذف إحدى التاءين في الأصل ومع إدغامها في السين أي تتسوّى ‏{‏بِهِمُ الارض‏}‏ بأن يكونوا ترابا مثلها لعظم هوله كما في آية أخرى ‏{‏وَيَقُولُ الكافر الكافر ياليتنى كُنتُ ترابا‏}‏ ‏[‏40‏:‏ 78‏]‏ ‏{‏وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً‏}‏ عما عملوه وفي وقت آخر يكتمونه ويقولون ‏{‏والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ‏}‏ ‏[‏23‏:‏ 6‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة‏}‏ أي لا تُصَلُّوا ‏{‏وَأَنتُمْ سكارى‏}‏ من الشراب لأن سبب نزولها صلاة جماعة في حال السكر ‏{‏حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ‏}‏ بأن تَصْحُوا ‏{‏وَلاَ جُنُباً‏}‏ بإيلاج أو إنزال ونصبه على الحال وهو يطلق على المفرد وغيره ‏{‏إِلاَّ عَابِرِى‏}‏ مجتازي ‏{‏سَبِيلٍ‏}‏ طريق أي مسافرين ‏{‏حتى تَغْتَسِلُواْ‏}‏ فلكم أن تصلوا واستثناء المسافر لأنّ له حكماً آخر سيأتي وقيل المراد النهي عن قربان مواضع الصلاة أي المساجد إلا عبورها من غير مكث ‏{‏وَإِنْ كُنتُم مرضى‏}‏ مرضاً يضرّه الماء ‏{‏أَوْ على سَفَرٍ‏}‏ أي مسافرين وأنتم جنب أو مُحْدِثُونَ ‏{‏أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن الغائط‏}‏ هو المكان المعدّ لقضاء الحاجة أي أحدث ‏{‏أَوْ لامستم النساء‏}‏ وفي قراءة ‏(‏لمستم‏)‏ بلا ألف وكلاهما بمعنى اللمس وهو الجس باليد قاله ابن عمر وعليه الشافعي وأُلحِقَ به الجَسُ بباقي البشرة وعن ابن عباس‏:‏ هو الجماع ‏{‏فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً‏}‏ تتطهرون به للصلاة بعد الطلب والتفتيش وهو راجع إلى ما عدا المرضى ‏{‏فَتَيَمَّمُواْ‏}‏ اقصدوا بعد دخول الوقت ‏{‏صَعِيداً طَيّباً‏}‏ تراباً طاهراً فاضربوا به ضربتين ‏{‏فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ‏}‏ مع المرفقين منه و«مسح» يتعدّى بنفسه وبالحرف ‏{‏إِنَّ الله كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيبًا‏}‏ حظًّا ‏{‏مّنَ الكتاب‏}‏ وهم اليهود ‏{‏يَشْتَرُونَ الضلالة‏}‏ بالهدى ‏{‏وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السبيل‏}‏ تخطئوا الطريق الحق لتكونوا مثلهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏والله أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ‏}‏ منكم فيخبركم بهم لتجتنبوهم ‏{‏وكفى بالله وَلِيّاً‏}‏ حافظاً لكم منهم ‏{‏وكفى بالله نَصِيراً‏}‏ مانعاً لكم من كيدهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏مّنَ الذين هَادُواْ‏}‏ قوم ‏{‏يُحَرّفُونَ‏}‏ يغيِّرون ‏{‏الكلم‏}‏ الذي أنزل الله في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏عَن مواضعه‏}‏ التي وضع عليها ‏{‏وَيَقُولُونَ‏}‏ للنبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بشيء ‏{‏سَمِعْنَا‏}‏ قولك ‏{‏وَعَصَيْنَا‏}‏ أمرك ‏{‏واسمع غَيْرَ مُسْمَعٍ‏}‏ حال بمعنى الدعاء أي ‏(‏لا سمعت‏)‏ ‏{‏وَ‏}‏ يقولون له ‏{‏راعنا‏}‏ وقد نهي عن خطابه بها وهي كلمة سب بلغتهم ‏{‏لَيّاً‏}‏ تحريفاً ‏{‏بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً‏}‏ قدحاً ‏{‏فِى الدين‏}‏ الإسلام ‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا‏}‏ بدل و‏(‏عصينا‏)‏ ‏{‏واسمع‏}‏ فقط ‏{‏وانظرنا‏}‏ انظرْ إلينا بدل ‏(‏راعنا‏)‏ ‏{‏لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ‏}‏ مما قالوه ‏{‏وَأَقْوَمَ‏}‏ أعدل منه ‏{‏وَلَكِن لَّعَنَهُمُ الله‏}‏ أبعدهم عن رحمته ‏{‏بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين أُوتُواْ الكتاب ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا‏}‏ من القرآن ‏{‏مُصَدِّقاً لّمَا مَعَكُمْ‏}‏ من التوراة ‏{‏مّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً‏}‏ نمحو ما فيها من العين والأنف والحاجب ‏{‏فَنَرُدَّهَا على أدبارها‏}‏ فنجعلها كالأقفاء لوحاً واحداً ‏{‏أَوْ نَلْعَنَهُمْ‏}‏ نمسخهم قردة ‏{‏كَمَا لَعَنَّا‏}‏ مسخنا ‏{‏أصحاب السبت‏}‏ منهم ‏{‏وَكَانَ أَمْرُ الله‏}‏ قضاؤه ‏{‏مَفْعُولاً‏}‏ ولما نزلت أسلم عبد الله بن سلام فقيل كان وعيداً بشرط فلما أسلم بعضهم رُفع وَقيل يكون طمسٌ ومسخٌ قبل قيام الساعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ‏}‏ أي الإشراك ‏{‏بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ‏}‏ سوى ‏{‏ذلك‏}‏ من الذنوب ‏{‏لِمَن يَشَاءُ‏}‏ المغفرة له بأن يدخله الجنة بلا عذاب وَمن شاء عذبه من المؤمنين بذنوبه ثم يدخله الجنة ‏{‏وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً‏}‏ ذنباً ‏{‏عَظِيماً‏}‏ كبيراً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ‏}‏ وهم اليهود حيث قالوا‏:‏ ‏{‏نَحْنُ أبناؤا الله وأحباؤه‏}‏ ‏[‏5‏:‏ 18‏]‏ أي ليس الأمر بتزكيتهم أنفسهم ‏{‏بَلِ الله يُزَكّى‏}‏ يطهِّر ‏{‏مَن يَشَآء‏}‏ بالإيمان ‏{‏وَلاَ يُظْلَمُونَ‏}‏ ينقصون من أعمالهم ‏{‏فَتِيلاً‏}‏ قدر قشرة النواة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏انظُرْ‏}‏ متعجباً ‏{‏كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ‏}‏ بذلك ‏{‏وكفى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً‏}‏ بيِّناً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا ‏(‏51‏)‏‏}‏

ونزل في كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر وحرّضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الكتاب يُؤْمِنُونَ بالجبت والطاغوت‏}‏ صنمان لقريش ‏{‏وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ أبي سفيان وأصحابه حين قالوا لهم‏:‏ أنحن أهدى سبيلاً ونحن ولاة البيت نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني ونفعل-‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ أم محمد صلى الله عليه وسلم‏؟‏ وقد خالف دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم‏؟‏ ‏{‏هَؤُلاء‏}‏ أي أنتم ‏{‏أهدى مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلاً‏}‏ أقْوَم طريقا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏أُوْلَئِكَ الذين لَعَنَهُمُ الله وَمَن يَلْعَنِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً‏}‏ مانعاً من عذابه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْ‏}‏ بل أ ‏{‏لَهُمْ نَصِيبٌ مّنَ الملك‏}‏ أي ليس لهم شيء منه ولو كان ‏{‏فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ الناس نَقِيراً‏}‏ أي شيئاً تافهاً قدر النقرة في ظهر النواة لفرط بخلهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْ‏}‏ بل ‏{‏يَحْسُدُونَ الناس‏}‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏على مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ‏}‏ النبوّة وكثرة النساء، أي يتمنون زواله عنه ويقولون لو كان نبيا لاشتغل عن النساء ‏{‏فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إبراهيم‏}‏ جدّه كموسى وداود وسليمان ‏{‏الكتاب والحكمة‏}‏ والنبوّة ‏{‏وءاتيناهم مُلْكاً عَظيماً‏}‏ فكان لداود تسع وتسعون امرأة ولسليمان ألف ما بين حُرَّةٍ وسُرِّية

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ بِهِ‏}‏ بمحمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ‏}‏ أعرض ‏{‏عَنْهُ‏}‏ فلم يؤمن ‏{‏وكفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً‏}‏ عذابا لمن لا يؤمن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين كَفَرُواْ بئاياتنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ‏}‏ ندخلهم ‏{‏نَارًا‏}‏ يحترقون فيها ‏{‏كُلَّمَا نَضِجَتْ‏}‏ احترقت ‏{‏جُلُودُهُمْ بدلناهم جُلُوداً غَيْرَهَا‏}‏ بأن تعاد إلى حالها الأوّل غير محترقة ‏{‏لِيَذُوقُواْ العذاب‏}‏ ليقاسموا شدّته ‏{‏إِنَّ الله كَانَ عَزِيزاً‏}‏ لا يعجزه شيء ‏{‏حَكِيماً‏}‏ في خلقه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَنُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ‏}‏ من الحيض وكلِّ قذر ‏{‏وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً‏}‏ دائما لا تنسخه شمس وهو ظل الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات‏}‏ أي ما اؤتمَن عليه من الحقوق ‏{‏إِلَى أَهْلِهَا‏}‏ نزلت لما أخذ عليّ رضي الله عنه مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة الحجبي سادنها قسراً لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح ومنعه وقال لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بردِّه إليه وقال ‏(‏هاك خالدة تَالدة‏)‏ فعجب من ذلك فقرأ له علي الآية فأسلم وأعطاه عند موته لأخيه ‏(‏شيبة‏)‏ فبقي في ولده، والآية وإن وردت على سبب خاص فعمومها معتبر بقرينة الجمع ‏{‏وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس‏}‏ يأمركم ‏{‏أَن تَحْكُمُواْ بالعدل إِنَّ الله نِعِمَّا‏}‏ فيه إدغام ميم «نِعْمَ» في «ما» النكرة الموصوفة أي ‏(‏نعم شيئاً‏)‏ ‏{‏يَعِظُكُمْ بِهِ‏}‏ تأدية الأمانة والحكم بالعدل ‏{‏إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً‏}‏ لما يقال ‏{‏بَصِيراً‏}‏ بما يفعل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ‏(‏59‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى‏}‏ وأصحاب ‏{‏الأمر‏}‏ أي الولاة ‏{‏مّنكُمْ‏}‏ إذا أمروكم بطاعة الله ورسوله ‏{‏فَإِن تَنَازَعْتُمْ‏}‏ اختلفتم ‏{‏فِى شَئ فَرُدُّوهُ إِلَى الله‏}‏ أي إلى كتابه ‏{‏والرسول‏}‏ مدة حياته وبعده إلى سنته أي اكشفوا عليه منهما ‏{‏إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الأخر ذلك‏}‏ أي الرد إليهما ‏{‏خَيْرٌ‏}‏ لكم من التنازع والقول بالرأي ‏{‏وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏ مآلاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ‏(‏60‏)‏‏}‏

ونزل لما اختصم يهودي ومنافق فدعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ليحكم بينهما ودعا اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتياه فقضى لليهودي فلم يرضَ المنافق وأتيا عمر فذكر له اليهودي ذلك فقال للمنافق أكذلك‏؟‏ فقال نعم فقتله ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطاغوت‏}‏ الكثير الطغيان وهو كعب بن الأشرف ‏{‏وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ‏}‏ ولا يوالوه ‏{‏وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضلالا بَعِيداً‏}‏ عن الحق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ الله‏}‏ في القرآن من الحكم ‏{‏وَإِلَى الرسول‏}‏ ليحكم بينكم ‏{‏رَأَيْتَ المنافقين يَصُدُّونَ‏}‏ يعرضون ‏{‏عَنكَ‏}‏ إلى غيرك ‏{‏صُدُوداً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏فَكَيْفَ‏}‏ يصنعون ‏{‏إِذَا أصابتهم مُّصِيبَةٌ‏}‏ عقوبة ‏{‏بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏}‏ من الكفر والمعاصي أي أيقدرون على الإعراض والفرار منها‏؟‏ لا ‏{‏ثُمَّ جَاءوكَ‏}‏ معطوف على ‏(‏يصدّون‏)‏ ‏{‏يَحْلِفُونَ بالله إِنْ‏}‏ ما ‏{‏أَرَدْنَا‏}‏ بالمحاكمة إلى غيرك ‏{‏إِلاَّ إِحْسَاناً‏}‏ صلحاً ‏{‏وَتَوْفِيقاً‏}‏ تأليفاً بين الخصمين بالتقريب في الحكم دون الحمل على مُرِّ الحق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ‏(‏63‏)‏‏}‏

‏{‏أُولَئِكَ الذين يَعْلَمُ الله مَا فِى قُلُوبِهِمْ‏}‏ من النفاق وكذبهم في عذرهم ‏{‏فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ‏}‏ بالصفح ‏{‏وَعِظْهُمْ‏}‏ خَوِّفْهُم اللهَ ‏{‏وَقُل لَّهُمْ فِى‏}‏ شأن ‏{‏أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً‏}‏ مؤثراً فيهم أي ازجرهم ليرجعوا عن كفرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ‏}‏ فيما يأمر به ويحكم ‏{‏بِإِذُنِ الله‏}‏ بأمره لا ليُعْصَى ويُخَالف ‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ‏}‏ بتحاكمهم إلى الطاغوت ‏{‏جاءُوك‏}‏ تائبين ‏{‏فاستغفروا الله واستغفر لَهُمُ الرسول‏}‏ فيه التفات عن الخطاب تفخيماً لشأنه ‏{‏لَوَجَدُواْ الله تَوَّاباً‏}‏ عليهم ‏{‏رَّحِيماً‏}‏ بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

‏{‏فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ‏(‏65‏)‏‏}‏

‏{‏فَلاَ وَرَبّكَ‏}‏ «لا» زائدة ‏{‏لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ‏}‏ اختلط ‏{‏بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً‏}‏ ضيقاً أو شكاً ‏{‏مّمَّا قَضَيْتَ‏}‏ به ‏{‏وَيُسَلّمُواْ‏}‏ ينقادوا لحكمك ‏{‏تَسْلِيماً‏}‏ من غير معارضة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ‏}‏ مفسِّرة ‏{‏اقتلوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دياركم‏}‏ كما كتبنا على بني إسرائيل ‏{‏مَّا فَعَلُوهُ‏}‏ أي المكتوب عليهم ‏{‏إِلاَّ قَلِيلٌ‏}‏ بالرفع على البدل والنصب على الاستثناء ‏{‏مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ‏}‏ من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ‏{‏لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً‏}‏ تحقيقاً لإيمانهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَاً‏}‏ أي لو ثبتوا ‏{‏لأتيناهم مّن لَّدُنَّا‏}‏ من عندنا ‏{‏أَجْراً عَظِيماً‏}‏ هو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏ولهديناهم صراطا مُّسْتَقِيماً‏}‏ قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كيف نراك في الجنة وأنت في الدرجات العلا ونحن أسفل منك‏؟‏ فنزل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يُطِعِ الله والرسول‏}‏ فيما أمر به ‏{‏فَأُوْلَئِكَ مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مّنَ النبيين والصديقين‏}‏ أفاضل أصحاب الأنبياء لمبالغتهم في الصدق والتصديق ‏{‏والشهداء‏}‏ القتلى في سبيل الله ‏{‏والصالحين‏}‏ غير من ذكر ‏{‏وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً‏}‏ رفقاء في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم وإن كان مقرّهم في الدرجات العالية بالنسبة إلى غيرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏ذلك‏}‏ أي كونه مع مَنْ ذكر مبتدأ خبره ‏{‏الفضل مِنَ الله‏}‏ تفضل به عليهم لا أنهم نالوه بطاعتهم ‏{‏وكفى بالله عَلِيماً‏}‏ بثواب الآخرة أي فثقوا بما أخبركم به ‏{‏وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ‏(‏71‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ‏}‏ من عدوّكم أي احترزوا منه وتيقظوا له ‏{‏فانفروا‏}‏ انهضوا إلى قتاله ‏{‏ثُبَاتٍ‏}‏ متفرّقين سرية بعد أخرى ‏{‏أَوِ انفروا جَمِيعاً‏}‏ مجتمعين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا ‏(‏72‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطّئَنَّ‏}‏ ليتأخرنّ عن القتال كعبد الله بن أُبيّ المنافق وأصحابه وجعله منهم من حيث الظاهر واللام في الفعل للقسم ‏{‏فَإِنْ أصابتكم مُّصِيبَةٌ‏}‏ كقتل وهزيمة ‏{‏قَالَ قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً‏}‏ حاضراً فأُصاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ‏(‏73‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَئِنِ‏}‏ لام قسم ‏{‏أصابكم فَضْلٌ مِنَ الله‏}‏ كفتح وغنيمة ‏{‏لَّيَقُولَنَّ‏}‏ نادماً ‏{‏كَأنَ‏}‏ مخففة واسمها محذوف أي كأنه ‏{‏لَمْ يَكُنِ‏}‏ بالياء والتاء ‏{‏بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ‏}‏ معرفة وصداقة وهذا راجع إلى قوله‏:‏ «قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَىَّ» اعتُرِضَ به بين القول ومقوله وهو ‏{‏يَا‏}‏ للتنبيه ‏{‏لَيْتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً‏}‏ آخذ حظاً وافراً من الغنيمة‏.‏